ترتسم أمام ناظريَّ في أحيان كثيرة مشاهد موغلة في قدمها، كأنما تنبعث من أغوار سحيقة في بئر الذاكرة العميق،العميقة، فتعود بي إلى أيام طفولتي الأولى، وأنا صبي دون سن الثامنة، كانت الشمس قد ملأت السماء وبدأت تثقل على الأرض، وأخذت الحرارة ترتفع بوتيرة سريعة، بينما كنت أسير بين حشود المشيعين حزينًا لا أكاد أفقه شيئا مما يدور حولي فسنوات عمري الثمانيالثمانية لم تكن لتسعفني في ذلك الوقت لكي يستوضحيستوعب عقلي الأمور،ما كان يجري، فكل ما كنت ادركهاستعطت إدراكه هو أن والدي قد توفي، ولحق بوالدتي التي توفيت في أثناء ولادتي، تتعثر خطواتي وأكاد أن أذوب خوفًا وخجلًا من تلك الوجوه التي تتفحصني من منبت شعري إلى أخمص قدمي، وجوه عابسة متجهمة غرتهاغرّتها الحياة الدنيا لسان حالهم يقول ماذا نفعل بهذا الطفل اليتيم؟ دون أن تأخذهم بي الشفقة أو يضعوا في اعتبارهم صلةيهتموا بصلة الرحم، وشواهد القبور من حولنا تضفيتبعث على الكثير من الرهبة والخوف، خوف لم يجد طريقه إلى قلوب من كانوا حولي.
كل ما حدث بعد ذلك، جريجرى بقدر من العجلة واليقين، وبشكل طبيعي، حتى إنيأنني لا أذكرأتذكر منه شيئا، سويسوى ذلك الوجه الحنون الذي أطل علىعلي من بين تلك الوجوه العابسة ينظرلينظر إلى فينظرة شفقة ورأفة، لكن سرعان ما اختفياختفى ذلك الوجه بينفي بحر الوجوه العابسة التي كانت تحيط بي من كل صوب وحدب، كذلكوبذلك فإن كل ما بقي في عقليذاكرتي من أحداث ذلك اليوم هي بعض الصور الذهنية التي احتفظ بها عقلي الصغير، مثل صورة النسوة المتشحات بالسواد وهم يهمسونوهن يتهامسن في أحاديثهمأحاديثهن الجانبية حول مصيري الذي كان مجهولًا للجميع في تلك اللحظة، فمن سيتحمل مسئولية ذلك الطفل اليتيم الذي لم يترك له والده من حُطَام الدنيا شيئًا يذكر يعين على تربيته.
The text above was approved for publishing by the original author.
Previous
     
Next
Просто зайдите в свой ящик электронной почты, перейдите по ссылке подтверждения, которую мы Вам выслали, и Вы получите исправленный текст. Если Вы хотите проверить больше электронных писем, Вы можете просто:
Или